قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في تفسير قوله تعالى (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر) فيه مسائل:

المسألة الأولى : أن محمداً صلى الله عليه وسلم جاءنا من عند ربنا بالبينات والهدى، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، بشيراً ونذيراً، فأول ما أنزل الله عليه : ( يا أيها المدثر، قم فأنذر ) أراد الإنذار عن الشرك، قبل الإنذار عن الزنا والسرقة، ونكاح الأمهات، فمن أقر بهذا، وعرف ما عليه أكثر أهل الأرض، من المشرق إلى المغرب، رأى العجب وفهم المسألة غير فهمه الأول .

المسألة الثانية : أنه لما هدم هذا، وأنذر عنه أخرج الناس من الظلمات إلى النور،وهو التوحيد الذي قال الله فيه : ( وربك فكبر ) أي عظمه بالإخلاص، وليس المراد : تكبير الأذان، والصلاة، فإنه لم يشرع عند نزول الآية . فمن عرف : أن هذه المسألة أعظم ما أتى بها، وبشر بها، وعرف ما عليه أكثر أهل الأرض، عرف قدر : المسألة الثالثة، المعروفة بالضرورة، وهي : أن الله بعثه ليصدق، ويتبع، لا يكذب، ويعصى .

فأما من أقر بالمسألتين، ثم صرح أن من اتبعه في التوحيد، خرج من دينه، وحل دمه وماله ؛ ومن صدقه في إنذاره، وأطاعه، وانتذر، خرج من دينه، وحل ماله ودمه، فهذا : مع كونه أبلغ من الجنون، فهو من أعظم آيات الله، وعجائب قدرته، على تقليبه للقلوب، كيف يجتمع في قلب رجل، يشهد أن التوحيد هو دين الله، ويعاديه، ويشهد أن الشرك : هو الكفر، ويواليه، ويذب عن أهله باللسان، والسنان، والمال .

فإن عرف العبد : أن هذا اجتمع في قلبه يوماً واحداً فكيف عشر سنين ؟! فهذا : من أعظم ما يعرفه بالله، وبنفسه، فإن عرف ربه، وعرف نفسه تم أمره .

المسألة الرابعة : معرفة أن محمداً صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الله، أن أفضل الخلق من الملائكة والأنبياء، لو يجري منه الشرك من غير اعتقاد : أنه ممن حبط عمله، وحرمت عليه الجنة ؛ فكيف بغير الأنبياء والملائكة ؟! فهذه المسألة الرابعة، إن عرفتها في أربع سنين فنعماً لك ؛ لكن تعرف : أن المتوضىء ينتقض وضوءه بقطرة بول، مثل رأس الذباب من غير قصد ولكن قل من يعرفها .

المسألة الخامسة : وهي : أن محمداً صلى الله عليه وسلم أخبر خبراً محققاً قطعاً، أنه لا بد من الإيمان بالكتاب كله، فمن آمن ببعضه، وكفر ببعضه، فهو كافر، والله أعلم .
*** للشيخ عبد الرحمن بن صالح الحجي