قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سورة البقرة آية 109-110].
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فيه مسائل:
الأولى: كون أناس ينتسبون إلى العلم والدين يجري منهم هذا عمدا، جراءة على الله، وما أكثر من ينكر هذا .
الثانية: التنبيه على كثرة هذا الصنف .
الثالثة: كون المنتسب إلى العلم يتمنى إضلال غيره إذا عجز عنه .
الرابعة: أن سبب هذا الأمر الغريب هو الحسد، لا خوف مضرة ولا طلب مصلحة.
الخامسة: أن المنتسب إلى العقل والعلم قد يسعى فيما يعلم أنه مصلحة لدنياه ليزيله، وفيما يعلم أنه مضرة لدنياه ليأتي به ; فإنهم يعلمون أن زوال المفاسد، وحصول المصالح في هذا الدين، وكانوا يستفتحون به قبل مجيئه على من ظلمهم ; فلما جاءهم حملهم الحسد على ما ذكر .
السادسة: أن الحسد قد يكون سببا للكفر، كما وقع لهؤلاء ولإبليس.
السابعة: ذكر العفو الذي هو من أسباب العز وقهر الخصم، كما ورد في الحديث .
الثامنة: الرفق في الأمر وفعله بالتدريج، كما فعل عمر بن عبد العزيز .
التاسعة: أنه سبحانه يمهل ولا يهمل.
العاشرة: الإشعار بالنسخ قبل وقوعه.
الحادية عشر: تسلية المظلوم المحسود.
الثانية عشر: التنبيه على العلة .
الثالثة عشر: أن الظالم الحاسد يذله الله، كما جرى لهؤلاء إلى يوم القيامة.
وقوله : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [سورة البقرة آية : 109] فيه:
الرابعة عشر: وهي الاستدلال بالصفات على الأفعال .
والخامسة عشر: وهي الاستدلال بالقدرة على ما لا يظن وقوعه .
والسادسة عشر: وهي الاستدلال بها على جعل العفو سببا لعز العافي، وذلة المعفو عنه، عكس ما يظن الأكثر.
وأما الاستدلال بها على ما كذب به الجهال استبعادا، مثل عذاب القبر وغيره، أو مثل الصراط والميزان وغيرهما، أو ما يجري في الدنيا من تبديل الأحوال من الغنى إلى الفقر وضده ; ومن الذل إلى العز وضده ; فأكثر من أن يحصر، ولكن من أحسن ما فيها:
المسألة السابعة عشر: وهي: تنبيه أعلم الناس على أشكل المسائل، بقوله: { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [سورة البقرة آية : 109] . والله سبحانه وتعالى أعلم ; وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.