سبع مسائل خطيرة
(رسالة رد الاختلاف لحكم الكتاب)
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بعض تقاريره رحمه الله:
اعلم رحمك الله أن الإيمان الشرعي، هو الإيمان بالأصول الستة؛ فمن الإيمان بالله الإيمان بالكتب التي أنزل الله، والإيمان بالرسل الذين أرسلهم الله، ومن الإيمان بهم: معرفة مراد الله في إرسالهم، كما قال تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين). الآية (البقرة 213).
وأما الحكمة الأخرى، فذكرها أيضاً في غير موضع؛ منها قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) إلى قوله: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (النساء 162-165).
فقوله: (مبشرين ومنذرين)، وقوله: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) هما حكمة الله في إيجاد الخليقة، وإليهما ترجع كل حقيقة، فالواجب على من نصح نفسه أن يجعل معرفة هذا نصب عينيه.
ومن تفاصيل هذه الجملة:
المسألة الأولى: أن الناس اختلفوا في التوحيد، فجاءت الكتب والرسل، ففصلوا الخصومة بقوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).(النحل 36)، وقوله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً).(الجن 18)؛ فشملت أصل الأمر، وأصل النهي، الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا ّ الله.
- الثانية: أن الذين أقروا بالتوحيد، والبراءة من الشرك، اختلفوا هل هذه توجب العداوة والمقاطعة؟ أو أنها كالسرقة والزنا؟ فحكم الكتاب بينهم بقوله: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).(المجادلة 22).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إن وليي الله والمؤمنون).
- الثالثة: أن الذين أقروا بأن الشرك أكبر الكبائر، اختلفوا هل يقاتل من فعله إذا قال لا إلَه إلا ّ الله؟ فحكم الكتاب بقوله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).(الأنفال 39)، وقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم).(التوبة: 5).
- الرابعة: اختلفوا في الجماعة والفرقة؛ فذهب الصحابة ومن تبعهم إلى وجوب الجماعة وتحريم الفرقة، ما دام التوحيد والإسلام؛ لأنه لا إسلام إلا بجماعة؛ وذهب الخوارج، والمعتزلة إلى الفرقة، وإنكار الجماعة؛ فحكم الكتاب بقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).(آل عمران 103).
- الخامسة: اختلفوا في البدع، هل يستحسن منها ما كان من جنس العبادة؟ أم كل بدعة ضلالة؟ فحكم الكتاب بينهم، بقوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).(الأنعام 135)،وقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة).
فذكر صلى الله عليه وسلم أن ما حدث بعده فليس من الدين، وأنه ضلالة.
- السادسة: أنهم اختلفوا في الكتاب، هل يجب تعلمه، واتباعه على الآخرين؟ لإمكانه، أم لا يجب؟ ولا يجوز العمل به لهم؟ فحكم الكتاب بينهم بالآيات التي لا تحصى؛منها قوله: (وقد آتيناك من لدنا ذكراً، من اعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً).(طه 99)، وقوله: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين)، وقوله: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا).(طه 124).
- السابعة: اختلفوا في العالم رفيع المقام في العلم والعبادة، إذا علم تابع النص بخلافه، هل يجوز تقليده أم لا، فقيل: نعم، من قلد عالماً لقي الله سالماً؛ فحكم الكتاب بقوله: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون).(الأعراف 3)، وقوله: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله).(التوبة 31)، وقوله: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن كثيراً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون، الحق من ربك فلا تكونن من الممترين).(البقرة 146-147)، وقوله: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به).(البقرة: 89)، وقوله: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً).(النمل 14)، وقوله: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله).(الأنعام: 116).
فإذا عرفت هذه الآيات المحكمات، كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، من أن طاعة الأحبار والرهبان من دون الله، عبادة لهم.
وعرفت حال كثير من الناس، وما يأمرون به، وما يدعون إليه، وتأملت كلام الله؛ تبين لك الهدى من الضلال.اهـ.