لا يختلف مؤمنان في أن أعظم ما يجب على العبد أن يحاول النجاة منه ، والخلاص من الوقوع فيه ؛ هو عذاب النار ، فحرُّها شديد ، وقعرها بعيد ، ومقامع أهلها من حديد ، يقذف فيها كل جبار عنيد ، وهي تنادي : هل من مزيد ؟ هل من مزيد ؟

فهي دار العذاب والهوان ، ومحلُّ العقوبة والخسران ، وموقع العار والذلة والحرمان ، أعدها الله لأعدائه ، المحاربين لأوليائه ، والمتجرئين على حرماته ، والمبارزين له بالعظائم ، فقد ملئت بكلِّ كريهة ، وحشرت بكلِّ طامَّة ، وأعدت لكل شقي عتيد !

فكيف السبيل للوقاية منها ؟ وما طريق الحماية من الوقوع في دركاتها ؟
إنه الأيمان الصادق والعمل الصالح بعد رحمة أرحم الراحمين ، وعفو أكرم الأكرمين ، ومِنَة أجود الأجودين .

ومن أعظم وأكرم الأعمال الصالحة التي أوجب الله بفضله على من عملها ؛ أن يذبَّ عن وجهه النار يوم القيامة ، ذبُّ المسلم عن عرض أخيه المسلم !
فمن سمع عن أخيه المسلم مذمَّة من أكلة لحوم البشر الذين اشتغلوا بإخوانهم عن أعدائهم سبَّا وذمَّا ، فليقم لله قومة لا يخاف فيها لومة لائم أو غضبة ناقم ليذب عن عرض أخيه ، وليذود عنه ، وليدافع دونه ، وليذكر محاسنه ، وليختلق له المعاذير ، وليحاول ـ بالحق ـ أن يُبري ساحته ، ثم عليه أن ينعطف أخرى على هؤلاء المشتغلين بعيوب غيرهم والغافلين عن عيوب أنفسهم ، أولئك الذي أشغلهم الشيطان بنقائص المسلمين ، فاشتغلوا بها جمعاً ورصداً ، وذكراً وعدَّا ، ونشراً وصدّا ، فقد ملئت قلوبهم بالأمراض المعطبة كالحسد الذي شرقوا به ، والحقد الذي ماتوا به كمداً ، والتعالي الذي أسقطهم في ظلمات الاستخفاف بالناس والاحتقار للخلق ن ورؤية النفس كالمعصومة ، فكأنما أصبحوا سدنة الجنة يدخلون فيها من يشاءون ، ويخرجون منها من لا يحبون ، ويطبعون على من يخالفهم ـ فيما تسوغ فيه المخالفة ـ بالمروق عن الدين والانحراف عن سير المؤمنين ، فهم ـ وفقط هم ت من يسيرون على صراط مستقيم ، وغيرهم قد تنكب الصراط ، وانحرف عن المنهج ، ولذلك لا تراهم إلا طاعنين مجرحين ، قادحين متنقصين ، كأنما احدهم يقول عن نفسه : لئن مات ابن معين ، وذهب ابن أبي حاتم ، وغاب الذهبي ، ورحل ابن الجوزي ، فما خلت الديار مني ، فقد ورثت علمهم بالجرح دون المدح ، بالقدح دون التعديل ، فمن في المصر غيري ؟! ومن في الساحة سواي ؟!

مغرور مغمور ، خدعته نفسه فأعطبته ، وأوردته المهالك !
فالذب عن المؤمنين ، وخصوصاً ؛ الصالحين من عباد الله المؤمنين ، كالعلماء العاملين ، والدعاة الصادقين ، والمجاهدين الصامدين ، والباذلين المنفقين ، والعاملين لهذا الدين ، من أعظم أسباب الوقاية من نار الجحيم يوم القيامة والدين .