سورة الفاتحة
قال شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله ورضي عنه بمنه وكرمه في استنباطه لبعض فوائد الفاتحة (الدرر السنية المجلد 13 صفحة 73): بسم الله الرحمن الرحيم { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } وتضمنت ثلاث الآيات ثلاث مسائل
الآية الأولى: فيها المحبة ; لأن الله منعم، والمنعم يحب على قدر إنعامه ; والمحبة تنقسم إلى أربعة أنواع: محبة شركية، وهي محبة الذين قال الله فيهم: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } إلى قوله: { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } . المحبة الثانية: حب الباطل وأهله، وبغض الحق وأهله ; وهذه صفة المنافقين ; والمحبة الثالثة: طبيعية، وهي محبة المال والولد، فإذا لم تشغل عن طاعة الله، ولم تعن على محارم الله، فهي مباحة. والمحبة الرابعة: حب أهل التوحيد، وبغض أهل الشرك، وهي أوثق عرى الإيمان، وأعظم ما يعبد بها الإنسان ربه
الآية الثانية: فيها الرجاء ; والآية الثالثة فيها الخوف ; { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي: أعبدك يا رب بما مضى بهذه الثلاث، بمحبتك ورجائك وخوفك ; هذه الثلاث أركان العبادة، وصرفها لغير الله شرك
وفي هذه الثلاث الرد على من تعلق بواحدة منها، كمن تعلق بالمحبة وحدها، أو تعلق بالرجاء وحده، أو تعلق بالخوف وحده، فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك. وفيها من الفوائد: الرد على ثلاث الطوائف التي كل طائفة تعلق بواحدة منها، كمن عبد الله بالمحبة وحدها، وكذلك من عبد الله بالرجاء وحده كالمرجئة، وكذلك من عبد الله بالخوف وحده كالخوارج. وأما { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ففيها توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } فيها توحيد الألوهية،{ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فيها توحيد الربوبية،{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } فيها الرد على المبتدعين
وأما الآيتان الأخيرتان، ففيها من الفوائد: ذكر أحوال الناس، قسمهم الله ثلاثة أصناف: منعم عليه، ومغضوب عليه، وضال; فالمغضوب عليهم أهل علم ليس معه عمل; والضالين: أهل عبادة ليس معها علم; وإن كان سبب النّزول في اليهود والنصارى، فهي لكل من اتصف بذلك; والنوع الثالث: من اتصف بالعلم والعمل، وهم المنعم عليهم. وفيها من الفوائد: التبرؤ من الحول والقوة، لأنه منعم عليك ; وكذلك فيها: معرفة الله على التمام، ونفي النقائص عنه تبارك وتعالى ; وفيها: معرفة الإنسان نفسه، ومعرفة ربه، فإنه إذا كان رب فلا بد من مربوب، وإذا كان هنا عبد فلا بد من معبود. وإذا كان هنا هاد فلا بد من مهدي; وإذا كان هنا منعم عليه فلا بد من منعم، وإذا كان هنا مغضوب عليه فلا بد من غاضب; وإذا كان هنا ضال فلا بد من مضل ; فهذه السورة تضمنت الألوهية، والربوبية، ونفي النقائص عن الله ; وتضمنت معرفة العبادة وأركانها، والله أعلم.