إنه صراع محموم بين مجموعة من الخصوم !
ومنافسة ( غير شريفة ! ) يجتمع عليها أعضاؤها من كلِّ الفجاج !
تدور رحاها بين يدي سيِّد قومه ، وسلطان عشيرته ، ليعلن عنها في الملأ ، وينادي عليها فوق رؤوس الأشهاد من بني جنسه ، فتثار همم الرِّمم ، وتستنفر جهود كلِّ مجهود ، وتستفزّ لها طاقات من لديه طاقة أو قدرة للخوض في غمار المنافسة المحمومة .
ولك أن تتصوَّر معي لعاب هؤلاء الأصحاب كيف يسيل بين الأنياب ، ويتحدَّر من بين مفارق الأشداق !
فالنجاح فيها يعني دخول بلاط الملك ، والعيش في سرادقه ، والدنو من كنفه ، والقرب من رواقه ، والفوز بالتاج على الرأس ، وإعلان الانتصار على المنافسين الخاسرين ، وأيّ انتصار !
ولعلّك تسألني ـ في لهفة ـ ما هذه المنافسة ؟ ومن رائدها ؟ ومن المتنافسون فيها ؟ والمتسابقون عليها ؟ ومن الفائز بالتاج ؟ والحائز على الكنز الوهَّاج ؟!
فتعال معي لتنظر إلى خبايا في زوايا هذه المنافسة ، وعلى من تدور رحاها حتى لا نكون من ضحاياها ـ وإليك فصول الحكاية في هذه الرواية ...
فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إذا أصبح إبليسُ بثَّ جُنودَه ، فيقولُ : من أخذَلَ اليومَ مُسلماً أٌلبسُه التاجَ !
قال : فيجيءُ هذا فيقولُ : لَم أَزَل به حتَّى طلَّق امرأتَهُ ، فيقولُ : أوشَكَ أن يتزوَّجَ .
ويجيءُ هذا فيقولُ : لم أزل به حتَّى عقَّ والديه ، فيقولُ : يوشِكُ أن يَبرَّهُما .
ويجيءُ هذا فيقولُ : لم أزل به حتى أشرَكَ ، فيقولُ : أنتَ أنتَ .
ويجيءُ هذا فيقولُ : لم أزَل به حتى قَتَل ، فيقول : أنتَ أنتَ ، ويُلبِسُه التاجَ " 1
هذه المنافسة الأولى ...
وفاز فيها العدو اللدود على أقرانه ، وكان الضحية فيها من بني الإنسان من قتل مسلماً بغير حق ، فأوبق دينه ودنياه ، وأهلك حياته وآخرته ..
فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً " 2
وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ :" والذي نفسي بيده ! لقتلُ مُؤمنٍ أعظمُ عند الله من زوال الدنيا " 2
وعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق " 3
وإليك المنافسة الثانية ...
وفيها منافسة أكبر بين شياطين أكثر .. وإليك هذا الخبر :
فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة ؛ أعظمهم فتنة .
يجيء أحدهم ، فيقول : فعلت كذا وكذا ! فيقول : ما صنعت شيئا !
قال : ثم يجيء أحدهم ، فيقول : ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته . قال : فيدنيه منه ، ويقول : نِعمَ أنتَ ! فيلتزمه " 3
أرأيت كيف يضمُّه إليه ، ويقرِّبه منه ، ويدنيه من رواقه وبلاطه ؟ لأنه هدم كيان أسرة ، وشتت شمل بيت ، وفرَّق بين أحباب ، وتسبب في الألم والندم ، والكمد والنكد ، والحسرة المرَّة للأبناء والآباء ، والأحفاد والأجداد ، وكلَّ محبٍّ ودود !
فلا تفتح له الباب ، ليدخل إلى بيتك العامر ، فيحيله إلى خراب وعذاب ، وأحزان وآلام ، ويغدو العمر رحلة مكدودة تغشاها الوحدة ، وتغمرها الأوجاع ، ويكون الشيطان هو الفائز والحائز على تاج النصر فوق رفات بيت متهدِّم يسكنه قلبٌّ متألم وعقلٌّ متندِّم ! !
للشيخ: عبد اللطيف الغامدي حفظه الله تعالى
---------------------------------------------------------
1 رواه ابن حبان في صحيحه ، انظر : صحيح الترغيب والترهيب (2/633) (2449) والصحيحة ( ) (1280) وصحيح موارد الظمآن ( ) ( ) .
2 صحيح البخاري (7\325) (6862)
2 صحيح سنن الترمذي (2/57 ) (1126) وصحيح سنن النسائي (3/839) (3721 ) .
3 صحيح سنن ابن ماجة (2\92) (2121)
3 صحيح مسلم ـ رقم ( 2813 ) .