بسم الله الرحمن الرحيم 1
الحمد لله 2 ، وصلى الله على محمد 3 ، وعلى آله 4، وسلم 5.
كتاب 6 التوحيد 7:
قال تعالى : [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ] 8
وقال تعالى :[ ولقد بعثنا في كل أُمَّةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ] 9
2 ـ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب :
قال تعالى : [ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ] 10
عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، والجنة حقٌّ ، والنار حقٌّ ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " 11 أخرجاه .
1 ـ بسم الله :
البدء بها سنة ، فالقرآن بدأ بها ، وهي أول آية فيه في سورة الفاتحة وهي جزء من آية في سورة النمل ، وبها كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبدأ رسائله للملوك وغيرهم . وقد ورد فيها حديث ضعيف جداً كما في الإرواء ( رقم 1 ) : كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بسم الله فهو أقطع " .
والباء فيها قيل : للمصاحبة ، وقيل للاستعانة ، وتقديرها : بسم الله ابتدئ القراءة ، للتبرك باسم الله والاستعانة به .
الله : اعرف المعارف ، الغني عن التعريف ، وهو الاسم الجامع لمعاني الأسماء الحسنى والصفات العلى لله سبحانه . قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما : الله هو الذي يألهه كل شيء ويعبده كل خلق .
الرحمن : من أسماء الله تعالى المختصة به ، لا يطلق على غيره .
الرحيم : المراد به ذو الرحمة الواصلة .
الفرق بين ( الرحمن والرحيم ) :
1 ـ الرحمن بجميع الخلق ، والرحيم بالمؤمنين . [ وهو الأرجح ]
2 ـ الرحمن : رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم : رحيم الآخرة .
2 ـ الحمد لله : الثناء بالكلام على الجميل على وجه التعظيم ، وهو ذكر لله بأوصاف الكمال ، ويكون باللسان والجنان والأركان .
3 ـ وصلى الله على محمد : قيل الصلاة من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن الآدميين الدعاء .
والراجح ؛ أن الصلاة من الله على نبيه بالثناء عليه ، كما ذكر البخاري عن أبي العالية قال : صلاة الله على عبده ثناؤه عليه عند الملائكة .
4 ـ وعلى آله : قيل : قرابته ، وقيل : المراد به جميع أتباعه على دينه ، وهو الراجح ، ويدخل بالأولوية من على دينه من قرابته .
5 ـ وسلم : من السلامة من النقائص والآفات .
فبالسلام تزول النقائص ، وبالصلاة تأتي الكمالات .
6 ـ بمعنى مكتوب ، يعني هذا مكتوب في العقيدة والتوحيد .
7 ـ التوحيد ( لغة ) : الإفراد .
شرعاً : إفراد الله بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات .
* أقسام التوحيد :
1 ـ توحيد الربوبية :
وهو توحيد الله بأفعاله ، وهو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير .
قال تعالى :[ ألا له الخلق والأمر ] الأعراف 54
وقال تعالى :[ ولله ملك السموات والأرض ] آل عمران 189
وقد اقرَّ به أكثر الخلق ، قال تعالى :[ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ] الزخرف : 9
وخالف فيه بعض من يدَّعون الإسلام من غلاة الصوفية الذين يقولون بأن للكون أوتاداً وأقطاباً يتحكمون فيه ويدبرون أمره ، فهم بهذا أكثر شركاً من مشركي قريش السابقين .
2 ـ توحيد الألوهية :
وهو إفراد الله بأفعال العباد ( يجمع العبادات الظاهرة والباطنة ) وفيه وقعت الخصومة بين الأنبياء وأتباعهم وبين مخالفيهم . [ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل ] لقمان : 30 . كالذبح والنذر والحلف وغيرها من العبادات . قال تعالى :[ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ]
3 ـ توحيد الأسماء والصفات :
وهو إفراد الله بما له من الأسماء والصفات . وهو الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه ، ووصفه به رسوله من الأسماء الحسنى والصفات العلى وامرارها كما جاءت من غير تحريف ولا تأويل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل .
وهذا يتضمن أمرين :
1 ـ الإثبات : نثبت لله جميع أسمائه وصفاته الثابتة في الكتاب والسنة .
2 ـ النفي : ننفي المماثلة لله تعالى بأن لا نجعل لله مثيلاً في أسمائه وصفاته [ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ] .
8 ـ ما : نافية .
خلقت : أوجدت .
الجن : عالم غيبي .
الإنس : لأنهم لا يعيشون بدون إيناس .
إلا ليعبدون : ليوحدون ، ويفردون بالعبادة ، ويتذلَّلون لي بالطاعة فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور
فهو فعل الأول وهو خلقهم ، ليفعلوا هم الثاني وهو عبادته التي تجمع بين كمال الحب وكمال الذل والخضوع .
والعبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال [ كالتكبير والتلبية ] والأفعال [ كالصلاة والجهاد ] والأعمال الظاهرة [ كالصلاة والعمرة ] والباطنة [ كالحب والخشية ] .
المناسبة : أن الحكمة من خلق الجن والإنس هي إفراد الله بالعبادة والكفر بما سواه .
الشاهد : [ إلا ليعبدون ] .
9 ـ بعثنا : أخرجنا وأرسلنا في كل أمة .
* الأُمَّة في القرآن تطلق على أربعة معانٍ :
1 ـ الطائفة ، كما في الآية .
2 ـ الإمام : [ إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله ]
3 ـ المِلَّة : [ إنا وجدنا آباءنا على أمة ]
4 ـ الزمن : [ ادَّكر بعد أمة ] .
* أرسل الله الرسل لأمرين :
1 ـ رحمة بالخلق [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ]
2 ـ إقامة الحجة والبرهان عليهم : [ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ]
اعبدوا الله : وحدوه وتذللوا له بالطاعة .
اجتنبوا : البعد والمجانبة
الطاغوت : من الطغيان ومجاوزة الحد .[ إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ] =
قال ابن القيم : الطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود [ كالأصنام ] أو متبوع [ كالكهان والسحرة ] أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله [ كعلماء السوء والأمراء الخارجين عن طاعة الله في تحليل حرام أو تحريم حلال ] .
والطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة : إبليس ، ومن غيَّر أحكام الله ، ومن دعا إلى عبادة نفسه ، ومن عُبد من دون الله وهو راضي بالعبادة .
المناسبة : أن الأصنام من الطواغيت التي تُعبد من دون الله ، ولا تصلح العبادة إلا إذا كفر بما سواه .
الشاهد : [ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ] .
10 ـ يلبسوا : يخلطوا
بظلم : بمعنى الشرك . لأن الظلم ثلاثة أنواع :
1 ـ الظلم الأكبر ؛ وهو الشرك . قال تعالى عن لقمان [ يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ]
2 ـ ظلم الإنسان لنفسه ، بإيقاعها في الذنوب ، وتكليفها ما لا تطيق من الصيام والقيام الزائد عن القدر المشروع ، وحرمانها من لذة الطاعة ، وتعريضها للهلكة والتلف ، وغير ذلك .
3 ـ ظلم الإنسان لغيره بالتعدي عليه وحرمانه من حقوقه وظلمه .
الأمن : بضمان دخول الجنة ، وعدم دخول النار للمؤمن الذي لم يخلط إيمانه بما دون الشرك من المعاصي ، أو بعدم الخلود في النار إذا دخلها للمؤمن الذي خلط إيمانه بمعاصي وهو في مشيئة الله تعالى .
وكل واحد ينال من الأمن على قدر إيمانه وطاعته .
وهم مهتدون : أي إلى صراط الله المستقيم ، والهداية تنقسم إلى قسمين : 1ـ هداية دلالة وإرشاد 2 ـ وهداية التوفيق للإيمان والثبات عليه .
والمقصود أنهم مهتدون في الدنيا إلى صراط الله تعالى وطاعته والإيمان به ومهتدون في الآخرة إلى جنته ورحمته ومغفرته .
11 ـ من شهد :
شهد أنه لا معبود بحقٍّ إلا الله وعرف معناها وعمل بمقتضاها .
والشهادة هي الاعتراف باللسان والاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان .
لا إله إلا الله / لا معبود بحقٍّ سوى الله .
وهي تتضمن نفي وإثبات ، فلا إله ؛ نفي ، إلا الله / إثبات .
وحده لا شريك له ، وحده : تأكيد للإثبات ، ولا شريك له ، تأكيد للنفي .
وأن محمداً عبده ورسوله : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي .
عبده / ليس شريكاً مع الله .
ورسوله / ليس بكاذب على الله .
وصفة العبودية للرسول ، صفة تشريف وكمال [ سبحان الذي أسرة بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ] [ وأنه لما قام عبد الله يدعوه ] ( أفلا أكون عبداً شكوراً )
ورسوله : أي أرسل منه .
والشهادة برسالته ؛ تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .
وأن عيسى عبد الله ورسوله .
عبد الله / ردٌ على النصارى الذين غلوا فيه ، وغلوهم فيه على ثلاث طوائف : منهم من قال : أنه هو الله ، ومنهم من قال : أنه ابن الله ، ومنهم من قال : أنه ثالث ثلاثة .
قال تعالى [ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ، ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إلهٌ واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً ] النساء 171
ورسوله / ردٌّ على اليهود الذين جفوا فيه وقالوا : أنه ولد بغي وزنا .
وكلمته ألقاها إلى مريم : أي أنه خلقه بكلمة كُن ، فكان . [ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ] آل عمران 59
وهذا فيه إثبات صفة الكلام لله تعالى ، فهو يتكلم بما شاء كيفما يشاء متى شاء .
كلمته : ليس هو كلمة الله فهو مخلوق ، إذ إن كلام الله وصف قائم به لا بائن عنه .
فهو خلق بكن وليس هو كن .
وروح منه : أي من الأرواح التي خلقها الله تعالى ، وأضافه إلى نفسه تشريفاً له . [ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ]
وأن الجنة حق : هي دار النعيم أعدها الله للمؤمنين في يوم القيامة .
وأن النار حق : دار العذاب ، أعدها الله للكافرين في يوم القيامة .
أدخله الله الجنة : من آمن بها وعرف معناها وعمل بمقتضاها أدخله الله الجنة ابتداءً أو انتهاء ، فهو لا يخلد في النار لو دخلها .
على ما كان من العمل : أي من العمل الصالح ولو كان قليلاً أو من العمل السيء ولو كان كثيراً دون الشرك وما ينافي التوحيد .
للشيخ: عبد اللطيف الغامدي