ما من شريكين يعقدان عقد شراكة بينهما إلا وهما يرغبان في نجاح تلك الشراكة ، فيغنمان خيرها ، ويقطفان ثمرتها ، ويجنيان أثرها ، فالواحد منهما يرغب في شراكة صاحبة لأنه يري ذلك قوة له ، ودعماً لنشاطه ، وسبباً في نجاحه ، وهو عاجز عن أن يقوم بالعمل بمفرده ، ولذلك فهو يلتفت لغيره ممن يثق به وبأمانته ، ويأمن بوائقه وخيانته ، ويأمل أن ينجح معه ، ويتمنى أن يكون ذلك سبباً في نجاحه وفلاحه .

ويأتي العجب ـ أوجع ما يكون ـ من أحد الشريكين أو كليهما :
ما السبب في عدم نجاح هذه الشراكة ـ إن هي أخفقت ؟!
لقد بذلنا لها كل أسباب نجاحها ، فلم تعثرت خطاها ؟ ما الخطأ الذي وقع ؟ وما الخلل الذي حصل ؟!

لقد كانت شركة مباركة ، فما الذي أفقدها تلك البركة ؟ كنا نربح فإذا بنا نخسر ، وكنا نكسب فإذا بنا نتأخر ، وكنا نتقارب فإذا بنا نتباعد !
والمتأمل للسبب في ذلك العطب ؛ أن أحدهما أو كليهما خان صاحبه أو كاد ، فأوقع الله عملها في الكساد ، لما وقع بينهما من فساد .

وكم من شريكين بدأ رحلة التجارة والاستثمار وكل واحد منهما يحمل لصاحبه الحب والمودة ، والصفاء والنقاء ، قد وثق به كنفسه ، فكانت هذه الشراكة سبب للعداوة والبغضاء والنفرة والعداء ، ففرق بينهما الشيطان وأعوان الشيطان ، فكانت الحالقة الماحقة التي شتت الشمل وفرقت الجمع ، وخصوصاً إذا كانت الشراكة على غير عدل أو لم تكتب بنودها ، ولم توضح تفاصيل سيرها ، ولم تسجل حقوق كل واحد منهما ، فكانت هذه الأمور العالقة كالسوس المدسوس في بطن الشركة سبب لنزع البركة ، ومع مرور الأيام وتعاقب السنين ، وإذا بالفجوة تكبر ، والخلاف يشتد ، والنقاش يحتد ، وبدأت ثمرة الطلح تخرج أشواكها من أكمامها ، لتدمي قلبيهما ، وتؤذي عقليهما .

فهما مباركان ما صدقا وبرَّا، وأخلصا ونصحا لبعضهما ، ونوى كل واحد منهما الخير بصاحبه ، ممحوقان ما خانا ودبَّ بينهما الغدر والمكر، والخيانة والكذب ، والحسد والحقد ، وإليك الدليل على ما أقول من فيِّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم : " ... فإن صدقا وبينا ، بورك لها في بيعهما ،وإن كتما ، وكذبا ، محقت بركة بيعهما "
( صحيح البخاري )

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قالرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إن الله يقول : أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خانه خرجت من بينهما "
( رواه أبو داود )


فليحاسب كلّ واحد منهما نفسه ، وليعلم أن الناقد بصير ، وأن الله بكلّ شيء عليم ، فهو الخبير والشهيد ، والرقيب ، والسميع ، والبصير !