بسم الله الرحمن الرحيم
تعظيم بيوت الله
الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فإن المساجد من أعظم شعائر الإسلام وشعائر الله، وربنا يقول: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) ويقول: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) الآية ويقول: (ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) ويقول: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا).

وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا ينشد ناقته في المسجد فقال: (لا جمعها الله عليك إن المساجد لم تبن لهذا). ورأى الني صلى اله عليه وسلم في جدار المسجد مخاطا أو بصاقا أو نخامة في القبلة فحكه بيده ولم يوكل أحدا.

وإن من أشد شيء على المؤمنين الإحداث في المساجد لأنها محل أمنهم وراحتهم وهروبهم من الدنيا وأذاها، فإذا دخل الإحداث في المساجد فهذا من استحكام الغربة.

قال أبو ادريس الخولاني (لأن أرى في المسجد نارا تتأجج أحب إلي من أن أرى فيها بدعة ليس لها مغير) لأن النار تفسد البناء والبدعة تفسد الدين، ولأن النار يطفئها العامة والخاصة، والبدعة لا يطفئها إلا العلماء الربانيون وقليل ماهم.

وقد بلغ عناية هؤلاء العلماء بأمر المساجد وعدم الإحداث فيها أمرا عظيما، حرصا منهم على نقائها وبقائها على الأمر الأول، وسدا منهم لذريعة التوسع في الإحداث حتى لا يؤول أمرنا إلى ما آل إليه أمر اليهود والنصارى في معابدهم اليوم من التصاوير والمعازف واتخاذ الدين لهوا ولعبا.

وإليك أخي المسلم هذه النماذج التي ذكرها أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتاب الحوادث والبدع. قال رحمه الله: روى البخاري في صحيحه أن عمر أمر ببنيان مسجد وقال: ( أكنّ الناس من المطر، وإياك ان تحمر أو تصفر فتفتن الناس) وقال أيضا (أليس يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا؟).

وقال ابن عباس: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى).

وقال أبو الدرداء: (إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدبار عليكم).

وقال حوشب الطائي: (ما أساءت أمة أعمالها إلا زخرفت مساجدها ولا هلكت أمة قط إلا من قبل علمائها) أي علماء السوء.

وقال علي بن طالب: (إن القوم إذا زخرفوا مساجدهم فسدت أعمالهم).

ومر ابن مسعود على مساجد مزخرفة في الكوفة فقال: (من بنى هذا أنفق مال الله في معصيته) وكان يقول (سيأتي بعدكم قوم يرفعون الطين ويضعون الدين ويسمنون البراذين ويصلون في قبلتكم).

قال ابن القاسم: (سمعت مالكا رحمه الله يذكر مسجد المدينة وما عمل فيه من التزويق في قبلته فقال: كره الناس ذلك حين فعله - يعني الوليد بن عبد الملك - لأنه يشغلهم بالنظر إليه).

وسئل مالك عن المساجد هل يكره ان يكتب في قبلتها بالصبغ نحو آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين ونحوها؟ فقال: أكره ان يكتب في قبلة المسجد بشيء من القرآن أو التزويق. ولقد كره مالك أن يكتب القرآن في القراطيس (يعني الأوراق المنثورة غير المصاحف) فكيف بالجدران؟

ولقد كره مالك التابوت (الصندوق) الذي يجعل في المسجد للصدقات. وسئل مالك عن الأكل في المسجد فقال: (أما الشيء الخفيف مثل السويق ويسير الطعام فأرجو أن يكون خفيفا، ولو خرج إلى باب المسجد كان أعجب إلي وأما الكثير فلا يعجبني ولا في رحابه).

قال مالك:(وأكره أن يتكلم بألسنة العجم في المسجد، وان ذلك لما قيل في ألسنة العجم أنها خب (أي خداع ومكر) فلا يفعل في المسجد شيء من الخب، وهو لمن يحسن العربية أشد خبا).

قال مالك: (وأكره ان يبني مسجدا ويتخذ فوقه مسكنا يسكن فيه بأهله، ولا يقلم أظفاره بالمسجد ولا يقص شاربه).

وسئل مالك عن الرجل يتخذ فراشا يجلس عليه، أو وسادة يتكئ عليها (أي خاصا به) قال: ليس ذلك من عمل الناس، ولا أحبه. وكان يرخص في الخُمرة والنخاخ والمصليات. والخُمرة: حصير من جريد، والنخاخ: بسط طوال.

وسئل مالك عن السّؤّال الذين يسألون في المساجد ويلحون في المسألة؟ قال أرى أن ينهوا عن ذلك.

وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا ينشد ناقته في المسجد فقال: (لا جمعها الله عليك إن المساجد لم تبن لهذا).

وروى مالك أن عمر بن الخطاب بنى رحبة في ناحية المسجد (أي ملاصقة له من الخارج) تسمى البطحاء وقال (من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعب: (ما أخوف ما تخاف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: أئمة مضلين. قال صدقت قد أسرّ إلي ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وقال سهل بن عبد الله: (آخر عقوبة يعاقب بها ضلاّل هذه الأمة كفر النعم واستحسان المساوئ).

وقال مالك رحمه الله: (دخلت يوما على ابن هرمز فذكر شرائع الإسلام وما انتقص منه، وما يخاف من ضيعته...وإن دموعه لتسيل على لحيته).

قال مالك: ( وأخبرني من دخل على ربيعة فوجده يبكي فقال: ما يبكيك؟ أدخلت عليك مصيبة؟ قال: لا ولكن استفتي من لا علم عنده وظهر في الإسلام أمر عظيم. وفي رواية قال إن كثيرا ممن يفتي ههنا أحق بالحبس من السراق).

وقال ابن مسعود: (إن منكر اليوم لمعروف قوم ماجاءوا بعد وإن معروف اليوم لمنكر قوم قد مضوا)- رواه ابن وضاح عن عدي بن حاتم-

قال محمد بن وضاح: ( فكم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرا عند من مضى، وكم من متحبب إلى الله بما يبغِضه الله عليه، ومتقرب إلى الله بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة). انتهى من الطرطوشي.

إي والله!! كل بدعة عليها زينة وبهجة يزينها الشيطان ليفسد على الناس دينهم.

إي والله!! كم من أمر هو اليوم معروف عند الخاصة والعامة كان منكرا عند من مضى.

إي والله!! استفتي من لا علم عنده وظهر في الإسلام أمر عظيم.

وسنتذاكر في بعض ماأحدثه الناس في السنين المتأخرة في المساجد سواء في القراءة أو القصص أو الأمور الدعوية أو خطبة الجمعة أو في العبادة أو في تعليم العلم أو غيرها ونرده إلى ما كان عليه أولئك القوم الذين أمرنا أن نتبعهم بإحسان. والتوفيق من عند الله. وصلى الله على محمد.

استمع خطبة العمارة النبوية للمساجد
*** الشيخ: عبد الرحمن الحجي