الدورات العلمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فإن من الوسائل الجديدة في نشر العلم الشرعي ما يسمى بالدورات العلمية التي ظهرت منذ بضع سنين والمراد بها تكثير الدروس في مدة معينة وفي مكان معين. وهذه الوسيلة فيها مصالح ومفاسد، فإذا عرفت مفاسدها وتجنبت، وأخذ بوصايا العلماءرجي أن ينتفع بها،و أهم وصايا العلماء لترشيد هذه الوسيلة وجعلها أقرب للسنة ما يلي:

الوصية الأولى: ألا يعتقد الملقي والمتلقي أنها بديل عن الدروس التأصيلية المنتظمة طوال العام، فإن العلم لا يأتي إلا بإخلاص ونية وصحبة أستاذ وطول زمان، ودروس العلماء فيها من التزكية والتربية التي تؤثر في الطالب من حيث لا يشعر ما ليس في هذه الدورات السريعة العاجلة، فهي مكملة لدروس العلماء وليس بديلا عنها أو مزاحما لها.

الوصية الثانية: ألا تعقد الدورات وقت دروس العلماء الراسخين وهذه الوصية مبنية على سابقتها فإن الدورات إذا عقدت في وقت دروس العلماء كان هذا من الصد عنهم ومزاحمتهم، وهذه مفسدة عظمى لهذه الدورات يجب تجنبها

. الوصية الثالثة: أن يكون موضوع الدروس في الدورة ليس كتابا تأصيليا يختصر شرحه وتؤخذ مادته على عجل – على طريقة حفظ القرآن في شهر !!!- فكتب أصول العلم كعمدة الأحكام وعمدة الفقه والواسطية وكتاب التوحيد ونحو ذلك لا ينتفع بها النفع التام إلا إذا أخذت قليلا قليلا حتى ترسخ وتشربها القلوب، وإذا أخذت على عجل ضرت الطالب فقد يستعجل الرئاسة أو يتوهم تحصيل العلم أو يقوم بشرحها بناء على ما سمعه في الدورة على عجل، وفي هذا مخاطر جمة. قال الله (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث).

وإنما الذي يصلح هذه الدورات هو تركيز الحديث على نازلة أو فتنة أوبدعة انتشرت بين المسلمين وجمع النصوص فيها وكشف الشبهات فتكون الدورة المكثفة نافعة جدا حينئذ، وكذلك تركيز الحديث على سنن أميتت ونحو ذلك. فمثلا لو انتشرت بدعة الخوارج أو المرجئة أو أهل الحيل أو القصاص أو قراءة القرآن بالألحان أو بدعة التماس الأعذار للمشركين ونحو ذلك فانبرى طلبة العلم وجمعوا النصوص والآثار وكشفوا الشبهات في دروس مكثفة ومركزة لتقوية حصانة المسلمين أمام كيد الشيطان وأوليائه عندئذ تحقق النفع المأمول، وتكون من الجهاد في سبيل الله.

وقد فعل هذا السلف عندما انتشرت بدعة خلق القرآن وأمثالها وركزوا الحديث عليها وألفوا المؤلفات الخاصة فيها وجمعوا الأدلة وكشفوا الشبهات حتى انجلت عن المسلمين. ويمكن الاستئناس أيضا بإرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم القراء السبعين إلى قبيلة من العرب لتعليمهم القرآن مدة معلومة ثم العودة للمدينة – وهم الذين قتلوا في بئر معونة – فهذا يشبه الدورة المكثفة لهدف معين.

فالخلاصة:
أن هذه الوسيلة التعليمية إذا لم تحاول التأصيل السريع لطلبة العلم ولم تزاحم العلماء وركزت على أمور طرأت على المسلمين فحصنتهم ضدها رجي أن تحقق النفع، مع عدم الاستغناء عن دروس العلماء والزهد فيها. وإذا لم يعمل بوصايا العلماء هذه فستكون هذه الدورات فتنة من فتن هذا العصر الكثيرة، وربما أخرجت للمسلمين أجيالا من المتعالمين الذين أخذوا الإسلام على عجل وأرادوا به لفت الأنظار إليهم وعند ذلك لا تسل عما سيفعلون، والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد.
*** الشيخ: عبد الرحمن الحجي