بسم الله الرحمن الرحيم
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأصحابه: إني أراكم أكثر صلاة و صياما و اجتهادا من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم و لكنهم كانوا خيرا منكم. قالوا: و لما ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لأنهم كانوا والله أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة
لمّح أبو عبد الرحمن رضي الله عنه بداية الإختلاف في الفهم والعمل عن ما كان عليه القرن الأول وهو قرن الصحابة، فكان الصحابة يرون أنّ أهم شيء في العبادة إخلاصها وإحسانها و إتقانها والمداومة عليها – وإن قلّت – و تفقد أثرها في القلب و القرب من الله و أثرها في الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة لذلك نفعتهم عبادتهم أعظم النفع في طهارة القلب وزيادة الإيمان و شدّة التقوى. فكان صيامهم يورث التقوى، و صلاتهم تنهى عن الفحشاء والمنكر، وذكرهم لله يزيدهم قربا منه، وتلاوتهم للقرآن تورثهم الهدى والشفاء والعلم.
ومن بعدهم إبتداء من القرن الثاني – قرن التابعين – اتجهوا إلى الإكثار من العبادة وهذا كان على حساب إحسانها، لذلك واجههم ابن مسعود بهذه الحقيقة وبين سببها.
ثم بعد ذلك نشأ بالعراق ما يسمى (النسك الأعجمي) المتأثر بالأديان الأخرى التي تتعمد تعذيب الجسد والروح، ثم بلغ الأمر مداه في الخوارج الذين لايوجد أكثر من عبادتهم ولم ينتفعوا منها.
والذي في القرآن قوله تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) (سورة الملك) أي أخلصه وأصوبه. والذي في السنّة دعاؤه عليه الصلاة والسلام (اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ولم يقل عبادتك
وهذا الذي نبه له أبو عبد الرحمن واحد من الإختلافات الكثيرة بين الجيل الطاهر المزكى (جيل الصحابة) وبين من بعدهم مصداقا لحديث العرباض بن سارية المرفوع وفيه خطابه عليه الصلاة والسلام للصحابة: (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى إختلافا كثيرا فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور) فطوبى للذين إتبعوهم بإحسان ثم طوبى لهم.