الحمد لله الذي يخلق ما يشاء ويختار ، والصلاة والسلام على سيد الأبرار ، واشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد :

قال تعالى :[ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً ]
فهل يُعقل أن أحداً من الناس يمشي على وجه الأرض ، وقد قضى نحبه ؟!
وهل يُقبل أن أحداً من المخلوقين يسير على الثرى وهو شهيد ؟!
إنها قضية تحتاج إلى تأمل وتمهل !

فهي مسألة خيالية من نسج الأوهام ومن ثرثرة الكلام أو قضية غيبية أخبر بها من كان يمده ربه ببعض الغيب ويطلعه على ما شاء منه ؟!
والحقيقة أنها قضية لا تحتاج لكلِّ هذا التمحُّك والمماراة ، فهي غيب مطوي عن الخلق ، أخبر الخالق بها سيِّد الخلق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أخبرنا بها ، فهي حقٌّ صادق وواقع ناطق !
فمن هو الشهيد السعيد الذي يمشي على الثرى وهو مُبشَّر بالشهادة وخاتمة السعادة ؟!

إنه طلحة بن عبيد الله ـ رضي الله عنه وأرضاه ، وإليك خبره :
فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من سرّه أن ينظر على شهيد يمشي على وجه الأرض ، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله ! "
( أخرجه الترمذي وابن ماجه ، وغيرهما ن انظر : السلسلة الصحيحة للألباني 1/198 رقم 126 )

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : إني لفي بيتي ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه بالفناء ، وبيني وبينهم الستر ، أقبل طلحة بن عبيد الله ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه ، فلينظر إلى طلحة "
( أخرجه ابن سعد في الطبقات وأبو يعلى في مسنده ، انظر : السلسلة الصحيحة 1/195 رقم 125 )

والنحب ؛ النذر ، كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب ، فوفى به ، وقيل : النحب ؛ الموت ، كأنه ألزم نفسه أن يقاتل حتى يموت . وقد قتل ـ رضي الله عنه ـ يوم الجمل ، فويل لمن قتل هذا البطل !!

ولسائل أن يسأل ؛ لماذا هذا بالذات ؟! وكيف نال هذه المرتبة ؟ وأدرك هذا الخير ؟!

وللإجابة على هذا السؤال ، أقول : هذا فضل الله يمتن به على من يشاء من عباده ، وهو ذو الفضل العظيم ، ثم إن لطلحة مناقب عظيمة وأعمال جليلة وفضائل لا تُعد ، مما لا يحويها جراب أو يحصيها كتاب ، ويكفيه ما وقع منه في غزوة أحد ، فقد كان على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم أحد درعان ، فنهض إلى صخرة ، فلم يستطع ، فأقعَدَ تحتَهُ طلحة ـ رضي الله عنه ـ فصعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى استوى على الصخرة ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أوجبَ طلحة !! " أي ؛ وجبت له الجنة ، فيا لها مِن مِنَّة !!