الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فإن الصلاة والصيام والصدقة من أعظم الطاعات ، وأكرم العبادات ، وأجل القربات ، وفضلها لا يخفى على ذي لبٍّ أو قلبٍ ، ولكن ما الدرجة التي هي أفضل من الصلاة والصيام والصدقة ؟!

إنه سؤال كبير يبحث عن أجر كثير !
ولكي نعرف الجواب الصواب على مثل هذا السؤال ، لابد أن نرجع للمنهل العذب ، وللمعين الصافي ، وللمورد النقي من كتاب الله وسنة رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففيها الكفاية لمن أراد الله به الهداية ، فهلمَّ يا باغي الخير .

فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ألا أُنبَّئكم بدرجة أفضل من الصلاة والصيام والصدقة ؟ " قالوا : بلى ، قال : " إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة "
( صحيح سنن أبي داود 4111 )

فهذه هي الدرجة السامقة والمرتبة السامية التي ينالها من أكرمه مولاه بالإصلاح بين الناس ، وتأليف قلوبهم ، وجمع شملهم ، ودفع غوائل العداوات بينهم ، ومنع أسباب الفرقة والقطيعة عنهم .
قال تعالى :( والصلح خير( 1

وقال تعالى:( إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم( 2
والإصلاح بين المتخاصمين ـ ليعودوا إخوة متحابين ـ من أعظم الصدقات التي يحبها الله ، فعن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ رسول الله عليه وسلم : " ألا أدلُّك على صدقةٍ يحبُّ اللهُ موضِعَها ؟ تصلحُ بين الناسِ ، فإنها صدقةٌ يحبُّ الله موضعها "
( السلسلة الصحيحة 2644 )

وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أفضل الصدَّقَة إصلاحُ ذات البينِ"
( السلسلة الصحيحة 2639 )

وهي التجارة الرابحة ، والسلعة الغالية ، التي من فاز بها نال أعلى الدرجات ، وأغلى المكاسب ، وأغنى مراتب الربح والغنيمة ، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي أيوب ـ رضي الله عنه :" ألا أدلُّك على تجارة ؟ " قال : بلى . قال :" صِل بين الناسِ إذا تفاسدوا ، وقرِّب بينهم إذا تباعدوا " 3
( صحيح الترغيب والترهيب 2818 )

وهي من أعظم الأعمال ، وأكرم الأفعال ، وأجمل الأقوال . قال تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس( 4
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ما عمِلَ ابن آدم شيئاً أفضلَ من الصلاةِ ، وصلاحِ ذات البين ، وخُلُقٍ حسنٍ "
( السلسلة الصحيحة 1448 )


فقم بدورك المبارك في الإصلاح بين المتخاصمين ، ورأب الصدع بين المتقاطعين ، وتأليف القلوب بين المتنافرين ، ليكونوا ـ كما أمرهم مولاهم ـ كالبنيان المرصوص ، والجسد الواحد ، والكيان المترابط المتكاتف المتآلف ، رعاك مولاك ، وسدّد على الخير قولك وفعلك وخطاك !!
--------------------------------------
1 النساء: 128 .
2 الحجرات: 10 .
3 رواه البزار ، انظر : صحيح الترغيب والترهيب (3/72) (2818) .