الحمد لله الذي يرزق من يشاء بما يشاء كيف يشاء متى يشاء ، لا يعجزه عطاء عن عطاء ، فيده بالخير سحاء ، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فالطعام كثير ، والخير وفير ، والغذاء موجود ، والشكر محدود ، فإلى الله المشتكى من قلة شكرنا ، وله الحمد على كثرة جوده وفضله علينا .
والبركة في الطعام وغيرة نعمة عظيمة من الله تعالى يجود بها على من يشاء من عبيده ، فهي تكثر القليل ، وتقوي الضعيف الهزيل ، وتجمع الشتات ، وتكبر الصغير ، وترفع قدر الحقير ، قليل مبارك خير من كثير ممحوق البركة .
ولذا ينبغي على طالب الخير أن يبحث عن أسباب البركة في طعامه ، فللطعام أثر بالغ في قوة الجسد في الطاعة لله تعالى ، لا تخفى إلا على المحروم منها ـ عياذا بالله تعالى من الحرمان والخذلان ، فإليك بعض ما ينفعك الله به في طعامك ، فمن أسباب البركة فيه :
ـ الانتظار حتى تذهب فورة حرارته :
فعن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أنها كانت إذا ثردت غطته حتى يذهب فورهُ ، ثم تقول : إني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :" إنه أعظمُ للبركة "
السلسلة الصحيحة (392 و 659) والمشكاة (4241) وصحيح موارد الظمآن (2/6) (1124) .
ـ الاجتماع على الطعام :
فعن وحشي بن حرب ـ رضي الله عنه ـ قال : قالوا : يا رسول الله ! إنا نأكلُ ولا نشبعً ؟! قال :" تجتمعونَ على طعامكم أو تتفرقون ؟ " . قالوا : نتفرّق ، قال :" اجتمعوا على طعامكم ، واذكروا اسم الله ؛ يبارك لكم فيه "
السلسلة الصحيحة (664) صحيح موارد الظمآن (2/7) (1125) .
ـ التسمية في أوله :
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان رسول الله ـ صلى اله عليه وسلم ـ يأكل طعاماً في ستة نفر ، فجاء اعرابيّ ، فأكله بلقمتين ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أما إنه لو كان سمّى بالله لكفاكم ، فإذا أكلَ أحدكم طعاماً ؛ فليذكر اسمَ الله عليه ، فإن نسي في أوله ؛ فليقل : بسم الله أوله وآخره "
إرواء الغليل (1965) وصحيح موارد الظمآن (2/6) (1121)
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله ، وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ، ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله ، قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه ، قال : أدركتم المبيت والعشاء "
[ رواه مسلم في صحيحه )
ـ لعق الأصابع في آخر الطعام :
فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :" إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده ، فليمط ما رابه منها ، وليطعمها ، ولا يدعها للشيطان ،ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق يده ، فإن الشيطان يرصد الناس ـ أو الإنسان ـ على كلِّ شيٍ ؛ حتى عند مطعمه ـ أو طعامه ـ ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها ؛ فإنّ في آخر الطعام البركة "
السلسلة الصحيحة (1404) وصحيح موارد الظمآن (2/7) (1123) وأصله في مسلم بمعناه .
ـ الأكل من جوانب الطعام :
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" البركة تنزل في وسط الطعام ،فكلوا من حافتيه "
السلسلة الصحيحة (2-30) وصحيح موارد الظمآن (2/8) (1126) والمشكاة (4211) .
ومن أعظم أسباب البركة فيه أن يكون طيباً مباحاً ، أُخذ من حلِّه ، ويقصد به التقوي على طاعة الله تعالى والاستعانة به على مراضيه ، وكثرة الشكر والحمد لله عليه ، فإن الله تعالى يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ، ويشرب الشربة فيحمده عليها ، ويحرص أن يأتي بآداب الطعام كما وردت عن سيد الأنام محمد ـ صلى الله عليه وسلم ، فإن البركة فيما جاء به ، والخير ـ كلّ الخير ـ في التأسي به والسير على طريقه .