أبو لقمان Admin
عدد المساهمات : 483 تاريخ التسجيل : 06/10/2015
| موضوع: لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الأحد ديسمبر 20, 2015 2:06 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ شرح الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ. سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا». وفي رواية: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ» رواه البخاري قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله-: اشتملت هذه الأحاديث الشريفة على أصل عظيم، وقاعدة مهمة. ويتفرع عليها مسائل شتى من مسائل السير والسلوك إلى الله تعالى في طريقة الموصل إليه. أما الأصل فهو: أن عمل الإنسان لا ينجيه من النار ولا يدخله الجنة، وإنّ ذلك كله إنما يحصل بمغفرة الله ورحمته. قال بعض السلف: الآخرة إمّا عفو الله أو النار، والدنيا إما عصمة الله أو الهلكة. وكان محمد بن واسع يودع أصحابة عند موته ويقول: عليكم السلام إلى النار أو يعفو الله. فأما قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} فهو على قولين: أحدها: أن دخول الجنة برحمته، ولكن انقسام المنازل بحسب الأعمال. والثاني: أن العمل وإن كان سببا لدخول الجنة، فإنما هو من فضل الله ورحمته. لأنه هو المتفضل بالسبب والمسبَّب المرتَّب عليه. وعند تحقيق النظر فالجنة والعمل كلاهما من فضل الله ورحمته على عباده المؤمنين؛ ولهذا يقول أهل الجنة عند دخولها: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ } فلما اعترفوا لله بنعمته عليهم بالجنة وبأسبابها من الهداية، وحمدوا الله على ذلك كله جُوزُوا بأن نُودُوا: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ومما يبين ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} ، فهذا يدل على أن الناس يُسألون عن النعيم في الدنيا، وهل قاموا بشكره أم لا؟ فمن طولب بالشكر عل كل نعمة من عافية وستر وصحة جسم وسلامة حواس وطيب عيش واستقصي ذلك عليه؛ لم تَفِ أعماله كلها بشكر بعض هذه النعم، وتبقى سائر النعم غير مقابلة بشكر فيستحق صاحبها العذاب. عن وهب بن منبه قال: عَبَدَ عابدٌ خمسين عاماً، فأوحى الله إليه: إني قد غفرت لك. فقال: يارب ولِمَ لا تغفر لي ولم أذنب؟. فأذن الله لِعرق في عنقه فضرب عليه فلم ينم ولم يصلِّ، ثم سكن ونام، فأتاه ملك فشكى إليه ما لقي من ضربان العرق، فقال الملك: إن ربك عز وجل يقول: عبادتك خمسين سنة تعدل سكون ذلك العرق. وفي صحيح الحاكم عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً عن جبريل عليه السلام: إن عابداً عبد الله – عز وجل – على رأس جبل في البحر خمسمائة سنة ثم سأل ربه أن يقبضه ساجداً. قال جبريل: فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا، ونجد في العلم أنه يُبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل فيقول الرب عز وجل: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي. فيقول العبد: بعملي يا رب، يفعل ذلك ثلاث مرات. ثم يقول الله تعالى للملائكة: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله، فيجدون نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة، وبقيت نعم الجسد له. فيقول: أدخلوا عبدي النار. فيُجر إلى النار فينادي: برحمتك يا رب أدخلني الجنة، فيدخله الجنة. قال جبريل: إنما الأشياء برحمة الله يا محمد. فمن حقق معرفة هذه الأمور، عَرَفَ أن العمل وإن عظم فإنه لا يستقل بنجاة العبد، ولا يستحق به على الله دخول الجنة، ولا النجاة من النار. وحينئذ فيفلس العبد من عمله وييأس من الاتكال عليه ومن النظر إليه وإن كثر العمل وحسن. فكيف بمن ليس له كثير عمل، وليس له عمل حسن؟ فإن هذا ينبغي أن يشغله الفكر في التقصير في عمله، ويشتغل بالتوبة من تقصيره والاستغفار منه. فإذا تقرر هذا الأصل الشريف العظيم، فيتعين على العبد المؤمن الطالب للنجاة من النار ولدخول الجنة، وللقرب من مولاه والنظر إليه في دار كرامته، أن يطلب ذلك بالأسباب الموصلة إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته ورضاه ومحبته. فبها ينال ما عند الله من كرامة. إذ الله سبحانه وتعالى قد جعل للوصول إلى ذلك أسباباً من الأعمال التي جعلها موصلة إليها، وليس ذلك موجوداً إلا فيما شرعه الله لعباده على لسان رسوله. قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} فالواجب على العبد البحث عن خصال التقوى وخصال الإحسان التي شرعها الله في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتقرب بذلك إلى الله عز وجل فإنه لا طريق للعبد يوصله إلى رضى مولاه وقربه ورحمته وعفوه ومغفرته سوى ذلك. فقوله صلى الله عيه وسلم : « سددوا وقاربوا »، يعني: التوسط في العبادة فلا يقصِّر فيما أُمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه. وقوله: « وأبشروا » يعني: أن من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال. فإن الاقتصاد في سنة خيرٌ من الاجتهاد في غيرها، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن سلك طريقه كان أقرب إلى الله من غيره. وليست الفضائل بكثرة الأعمال البدنية، ولكن بكونها خالصةً لله عز وجل، صواباً على متابعة السنة وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان لله أعرف وبدينه وأحكامه وشرائعة، وله أخوف وأحب وأرجى فهو أفضل ممن ليس كذلك، وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح. ولهذا قال بعض السلف: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره. وقال بعضهم: الذي كان في صدر أبي بكر رضي الله عنه المحبة لله ورسوله والنصحية لعبادة. وقال ابن مسعود لأصحابه: أنتم أكثر صوماً وصلاةً من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا خيراً منكم. قالوا: وبما ذاك؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا وأرغب في الآخرة. وهذه الحال ورثوها من نبيهم صلى الله عليه وسلم، فإنَّه كان أشدَّ الخلقِ فراغاً بقلبه من الدنيا، وتعلقاً بالله وبالدار الآخرة مع ملابسته للخلق بظاهره، وقيامه بأعباء النبوة وسياسة الدين والدنيا. وقوله صلى الله عليه وسلم : « اغدوا ورحوا وشيء من الدلجة » يعني أن هذه الأوقات تكون أوقات السير إلى الله بالطاعات وهي: آخر الليل وأول النهار وآخره. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الأوقات في قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} فهذه الأوقات الثلاثة منها وقتان وهما أول النهار وآخره يجتمع في كل من هذين الوقتين عمل واجب وعمل تطوع، فأما العمل الواجب فهو صلاة الصبح وصلاة العصر وهما أفضل الصلوات الخمس، وهما البردان اللذان من حافظ عليهما دخل الجنة. وأما عمل التطوع فهو ذكر الله بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس. وأما الوقت الثالث فهو الدُّلجة. وهو آخر الليل وهو وقت الاستغفار، كما قال تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} وهو آخر أوقات النزول الإلهي المتضمن لاستعراض حوائج السائلين، واستغفار المذنبين، وتوبة التائبين. فمن عجز عن مشاركة المحبين في الجري معهم في ذلك المضمار فلا أقلَّ من مشاركة المذنبين في الاعتذار. قال طاووس: ما كنت أظن أن أحداً ينام في السحر. وقد روي أن الأشتر دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد هدأة من الليل وهو قائم يصلي، فقال: يا أمير المؤمنين صوم بالنهار وسهر بالليل وتعب فيما بين ذلك! فلما فرغ من صلاته قال: سفر الآخرة طويل يحتاج إلى قطعة بسير الليل وهو الإدلاج. قال خليد العصري: إن كل حبيب يحب أن يلقى حبيبه، فأحبوا ربكم وسيروا إليه سيراً جميلاً لا مصعداً ولا مميلا. قال ذو النون: السفلة من لا يعرف الطريق إلى الله ولا يتعرَّفه. قال ابن مسعود رضي الله عنه : الصراط المستقيم، تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه الجنة، وعن يمينه جَوَادٌّ، وعن يساره جَوَادٌّ، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على السراط انتهى به إلى الجنة. ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} . فربما سلك الإنسان في أول أمره على السراط المستقيم، ثم ينحرف عنه في آخر عُمُره فيسلك بعض سبل الشيطان فينقطع عن الله فيهلك، « إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها » وربما سلك الرجل أولاً بعض سبل الشيطان ثم تدركه السعادة فيسلك الصراط المستقيم في آخر عمره فيصل به إلى الله. والشأن كل الشأن في الاستقامة على الصراط المستقيم من أول السير إلى آخره، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}. وما أكثر من يرجع أثناء الطريق أو ينقطع، فإنَّ القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، و {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}. خليلي قُطّاع الفيافي إلى الحمى كثير وأما الواصلون قليل وفي الحديث الصحيح الإلهي يقول الله عز وجل: « من تقرب مني شبراً تقربت من ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ». يا هذا لو أنك قصدتَ باب والي الشرطة، لما أقبل إليك ولا تلقاك، وربما حجبك عن الوصول إليه وأقصاك، وملك الملوك يقول: « من أتاني يمشي أتيته هرولة ». وأنت عنه معرض، وعلى غيره مقبل، لقد غُبنت أفحش الغبن وخسرت أكبر الخسران. يا أيها الناس قد وضح الطريق فما هذا التأخر عن السلوك والتعويق؟ لقد وضح الطريقُ إليك حقاً فما خَلقٌ أرادك يستدل {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} يا نفس ويحك قد أتاك هداك ... أجيبي فهذا داعي الله قد ناداك كم قد دُعيتِ إلى الرشاد فتعرضي ... وأجبت داعي الغيِّ حين دعاكِ في قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} هذه الآية كانت تشتدُّ على الخائفين من العارفين، فإنها تقتضي أنَّ من العباد من يبدو له عند لقاء الله ما لم يكن يحتسب، مثل أن يكون غافلاً عما بين يديه معرضاً عنه، غير عامل ولا يحتسب له، فإذا كُشف الغطاء عاين تلك الأهوال الفظيعة، فبدا له ما لم يكن في حسابه. ولهذا قال عمر رضي الله عنه : لو أن لي ملء الأرض ذهباً لافتديت به من هول المطلع. وفي الحديث: « لا تَمنّوا الموت فإن هول المطلع شديد، وإن من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة ». وقال بعض حكماء السلف: كم من موقف خزي يوم القيامة لم يخطر على بالك قط. ونظير هذا قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ويشتمل على ما هو أعم من ذلك وهو أن يكون له أعمال يرجو بها الخير فتصير هباء منثوراً وتبدل سيئات. وقد قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}. قال الفضيل في هذه الآية: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} قال: عملوا أعمالاً وحسبوا أنها حسنات فإذا هي سيئات. وقريب من هذا أن يعمل الإنسان ذنباً يحتقره، ويستهون به فيكون هو سبب هلاكه، كما قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وقال بعض الصحابة: إنكم تعملون أعمالاً هي أدقُّ في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات. وأصعب من هذا من زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} قال ابن عيينه: لما حضرت محمد بن المنكدر الوفاة جزع فدَعوا له أبا حازم فجاء، فقال له ابن المنكدر: إن الله يقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} فأخاف أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب. فجعلا يبكيان جميعاً. فقال له أهله: دعوناك لتخفف عليه فزدته فأخبرهم بما قال. وكان سفيان الثوري يقول عند هذه الآية: ويلٌ لأهل الرياء من هذه الآية. وهذا كما في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار؛ العالم والمتصدق والمجاهد. وكذلك من عمل أعمالاً صالحة وكانت عليه مظالم فهو يظنُّ أنَّ أعماله تنجيه فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب، فيقتسم الغرماء أعماله كلها ثم يفضل لهم فضل فيطرح من سيئاتهم عليه ثم يطرح في النار. وقد يُناقش الحساب فيُطلب منه شكر النعم، فأصغرها تستوعب أعماله كلها، وتبقى بقية النعم، فيطالب شكرها فيعذَّب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: « من نوقش الحساب عُذِّب أو هلك ». وقد يكون له سيئات تحبط بعض أعماله سوى التوحيد فيدخل النار. وفي سنن ابن ماجة : « إن من أمتي من يجيء بأعمال أمثال الجبال فيجعلها الله هباء منثوراً ». وفيه: « هم قومٌ من جلدتكم ويتكلمون بألسنتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ». وفي حديث سالم مولى أبي حذيفة مرفوعاً: « ليجئ يوم القيامة أقوام معهم من الحسنات مثل جبال تهامة، حتى إذا جئ بهم جعل الله أعمالهم هباءً ثم أكبهم في النار ». قال سالم: خشيت أن أكون منهم. قال: « أما إنَّهم كانوا يصومون ويصلون ويأخذون هنيهة من الليل، لعلهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، فأدحض الله أعمالهم ». وقد يحبط العمل بآفة من رياء خفيٍّ وعُجْب به ونحو ذلك ولا يشعر به صاحبه. قال ضيغم العابد: إن لم تأت الآخرةُ المؤمنَ بالسرور، لقد اجتمع عليه همان، هم الدنيا وشقاء الآخرة. فقيل له: كيف لا تأتيه الآخرة بالسرور هو يتعب في دار الدنيا ويدأب؟ قال: كيف بالقبول، كيف بالسلامة؟ كم من رجل يرى أنه قد أصلح همته يُجميع ذلك كله يوم القيامة ثم يضرب به وجهه. ومن هنا كان عامر بن عبد قيس وغيره يقلقون من هذه الآية: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} قال ابن عون: لا تثق بكثرة العمل، فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا، ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري هل كُفِّرت عنك أم لا؟ لأن عملك مُغيَّب عنك كله لا تدري ما الله صانع به. وبكى النخعي عند الموت وقال: انتظرُ رسول ربي ما أدري أيُبشرني بالجنة أم بالنار؟ وجزع غيره عند الموت، فقيل له: لم تجزع؟ قال: إنما هي ساعة ولا أدري أين يُسلك بي؟ وجزع بعض الصحابة عند موته، فسئل عن حاله فقال: إن الله قبض خلقه قبضتين قبضة للجنة، وقبضة للنار، ولست أدري في أي القبضتين أنا؟ ومن تأمل هذا حق التأمل أوجب له القلق. فإنَّ ابن آدم متعرض، لأهوال عظيمة من الموت وأهوال القبر والبرزخ وأهوال الموقف، والصراط والميزان. وأعظم من ذلك والوقوف بين يدي الله عز وجل ودخول النار، ويخشى على نفسه الخلود فيها بأن يُسلب إيمانه عند الموت، ولم يامن المؤمن شيئا من هذه الأمور {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} فتحقيق هذا يمنع ابن آدم القرار. أما والله لو علم الأنام .... لما خلقوا لما غفلوا وناموا لقد خلقوا لما لو أبصرته .... عيون قلوبهم تاهوا وهاموا مـماتٌ ثم قبر ثم حشر .... وتوبيخ وأهوال عظـام ليوم الحشر قد عملت رجال ... فصلوا من مخافته وصاموا ونحن إذا أمرنـا أو نهينا .... كأهل الكهف أيقاظ نيام
| |
|